
غزة – في وقت يرزح فيه قطاع غزة تحت وطأة كارثة إنسانية غير مسبوقة، تثير “مؤسسة غزة الإنسانية” – التي أُسست بدعم أميركي مباشر – موجة من الجدل والاتهامات المتصاعدة، بعدما تحولت من مشروع إغاثي إلى ما يشبه “ساحة قنص دامية” تهدد أرواح المدنيين الذين يلجؤون إليها طلباً للطعام.
المؤسسة، التي أُنشئت في فبراير 2025 كمنظمة “غير ربحية” مسجلة في ولاية ديلاوير الأميركية، بدأت عملها في مايو بدعم مالي سخي من الحكومة الأميركية. وتدير أربع نقاط توزيع رئيسية، ثلاث منها في رفح، وواحدة في محور نتساريم، وجميعها تحت حماية عسكرية إسرائيلية مباشرة.
لكن بدلًا من أن تشكّل متنفسًا إنسانيًا لسكان القطاع المنهك، تحوّلت هذه المراكز إلى مشاهد دموية، يُقتل فيها الفلسطينيون أثناء انتظارهم الحصول على سلال غذائية، وسط اتهامات باستخدام المؤسسة كغطاء لسياسات عسكرية وأمنية، بحسب شهود وتقارير ميدانية.
غياب الشفافية والتنظيم
وفي مقابلة مع برنامج الإعلامي عماد الدين أديب، أكد المتحدث باسم وكالة “الأونروا” عدنان أبو حسنة أن “المؤسسة لا تملك قاعدة بيانات، ولا آلية عادلة للتوزيع، بل تعتمد على مبدأ ‘من يصل أولاً’، ما يزيد من فوضى المشهد ويعرض حياة المدنيين للخطر”.
وأضاف: “الأونروا كانت تعتمد على نظام رسائل نصية وقاعدة بيانات دقيقة للوصول إلى المستفيدين. أما المؤسسة الجديدة، فلا تتوفر فيها أي من هذه المعايير، ولا يمكن وصفها بأنها جهة إنسانية”.
مشروع سياسي بغطاء إغاثي؟
ويرى مراقبون أن المؤسسة تمثل تحوّلاً خطيراً في النهج الإنساني الدولي، حيث تُستخدم الإغاثة كأداة ضغط سياسي وميداني. ووفق الخبير الاستراتيجي محمد المصري، فإن “ما يحدث في غزة هو تطبيق عملي لنظرية ‘المجاعة كوسيلة للتهجير’، والمؤسسة تمثل نموذجاً لهذا الأسلوب”.
المصري أشار إلى أن “المنظمات الدولية الكبرى، بما في ذلك أطباء بلا حدود وبرنامج الغذاء العالمي، رفضت التعاون مع المؤسسة”، مؤكداً أن قوات الأمن التابعة للمؤسسة تورطت – بحسب تقارير إعلامية – في إطلاق النار على المدنيين الفلسطينيين خلال محاولتهم الوصول إلى المساعدات.
أجندة دولية جديدة؟
من جانبه، قال بول سالم، رئيس معهد الشرق الأوسط في واشنطن، إن المؤسسة تمثل “تحولاً خطيراً في السياسة الأميركية تجاه غزة”، واصفاً إياها بأنها “أداة سياسية لا علاقة لها بالعمل الإنساني”.
وأضاف: “عندما تصبح المساعدات وسيلة للقتل، تسقط شرعية أي حديث عن القيم أو القانون الدولي. ما يجري هو محاولة لاستبدال النظام الإنساني الأممي بمنظومة أميركية – إسرائيلية تفرض شروطها بالقوة، وتختزل الكارثة في كرتونة غذاء توزّع تحت تهديد السلاح”.
في انتظار مساءلة دولية
في ظل هذه الاتهامات المتصاعدة، تتزايد الدعوات لتحقيق دولي مستقل حول طبيعة عمل “مؤسسة غزة الإنسانية”، ودور القوات الإسرائيلية في إدارة نقاط توزيع المساعدات. وبينما يستمر الفلسطينيون في دفع ثمن المجاعة والرصاص، تبقى الأسئلة مفتوحة حول مستقبل الإغاثة في غزة، ومَن يملك الحق في تمثيل العمل الإنساني تحت القصف.