وجد الكاتب السياسي في شبكة “بلومبرغ كلايف كروك أنه في ما خص الحرب الأوكرانية، ثمة تخيير خاطئ يروج له صقور أمريكا: إما المهادنة أي الجبن وحتمية الفشل من جهة، أو المقاومة، أي النبل والنصر الأوكراني بمساعدة الغرب، من جهة أخرى.
فمنذ بداية الحرب، اعتمدت الولايات المتحدة وأوروبا سياسة المهادنة والمقاومة معاً وبشكل محق حسب رأيه. قد تكون فكرة أن الولايات المتحدة وأوروبا قد هادنتا الروس مستغربة لأنه يُنظر عموماً إلى المهادنة على أنها تعني الاستسلام وهذا بالتأكيد ما لم يفعله الغرب. بعد تجريدها من المحمول الاستعراضي، تعني المهادنة التسوية أو التوفيق، وقد كان هناك الكثير منهما.
أسئلة تبين تناقضات “الصقور”
أضاف كروك في موقع “بلومبرغ” أن العديد من داعمي أوكرانيا يؤطرون النزاع على أنه صراع وجودي بين الديموقراطية والاستبداد وأن الغرب لا يستطيع ببساطة تحمل الخسارة. ومع ذلك، ليست الولايات المتحدة وشركاؤها في حرب مع روسيا لغاية اليوم. لقد فرضوا عقوبات على روسيا ووفروا الدعم الاقتصادي لأوكرانيا وأرسلوا أسلحة بكميات كبيرة – لكن بوتيرة أبطأ بكثير مما تحبها أوكرانيا. ولم يقدموا أكثر الأسلحة فتكاً. لقد قرروا أن يحصروا القتال والدمار والموت في أوكرانيا. المدن الروسية لا تتعرض للقصف والجنود الأمريكيون والأوروبيون لا يضحون بحياتهم إلى جانب أبطال أوكرانيا. قياساً بعبارة “مهما لزم الأمر” يعدّ هذا مهادنة.
مع ذلك، وبالرغم من صعوبة تقبل الأمر، بعض من هذه المهادنة ليس عقلانياً وحسب بل يمكن الدفاع عنه أخلاقياً – من هنا جاء التمويه الخطابي. إن حرباً صريحة مع روسيا يمكن أن تتصاعد إلى نزاع نووي. حين يتعلق الأمر بنهاية العالم، يفضل كروك أمراً أكثر صلابة مما يصوره معظم المحللين بأنه غير مرجح. ولاحظ كروك أن حتى أولئك الذين يقيّمون خطر حرب نووية بأنه عند أو قريب من الصفر و/أو يعتقدون أن بوتين سيبدأ غزواً إمبريالياً إذا سمح له بالفوز هذه المرة، لا يقولون إنه يجب على الولايات المتحدة إرسال قواتها الآن لخوض حرب تقليدية. لماذا؟
التحدي الفظيع
رأى الكاتب أن القادة الغربيين محقون بالتأكيد في قياس الأكلاف البشرية للتصعيد، ناهيكم عن حرب نووية محتملة، ضمن حساباتهم. مع ذلك، إن سياسة تديم مقاومة أوكرانيا، مع ما تنطوي عليه من معاناة، بدون التزام كامل بأسرع انتصار أوكراني ممكن، ليست فوق الانتقاد. بالإمكان إخفاء هذه المعضلات لا حلها من خلال تكرار عبارات “ما من خيار حقيقي” أو “لا عودة إلى الوراء” وما إلى ذلك. التحدي الفظيع هو كيفية ضبط التوازن بين المهادنة والمقاومة. ثمة حجة جيدة لاعتماد المزيد منهما.
هل هو المقترح الصيني؟
حين تم سحق الغزو الأساسي، برزت فرصة لبناء مخرج أمام بوتين ينطوي على تنازلات إقليمية محدودة ورفع للعقوبات (مهادنة) وضمانات لمستقبل أوكرانيا الأمني (مقاومة). لم يرد أي طرف ذلك، والولايات المتحدة وشركاؤها – بشكل خاطئ حسب وجهة نظر كروك – لم يدفعوا باتجاهها. الآن تقلصت الرغبة بها أكثر. لا يزال ثمة مخرج يستحق الدراسة، بالرغم من أن شروطه بحاجة للتغير بالنظر إلى تصلب المواقف.
لسوء الحظ، لا جدوى من التسوية السياسية التي تقدمت بها الصين لأنها خالية بكاملها تقريباً من المحتوى. إن مقترح تسوية محتملة لا يمكنه فقط الدعوة إلى السلام. عليه أن يدفع قدماً مصالح أوكرانية وروسية كي لا يظن أي طرف أنه خسر.
إذاً ما هو المخرج؟
يقترح الكاتب أن تتمضن تسوية كهذه لا “ضمانات” أمنية وحسب بل عضوية كاملة في الناتو إضافة إلى شراكة اقتصادية وثيقة مع الاتحاد الأوروبي ومساعدات سخية واضحة لإعادة الإعمار والتنمية. ستُمنح روسيا بعض المكاسب الإقليمية من دون عقوبات ومطالبات بالتعويض مع استعادة علاقات اقتصادية محدودة.
يمضي كروك كاتباً أنه لو اختار الغرب الترويج لهكذا صفقة فسيتعين عليه تسريع إمدادات السلاح إلى أوكرانيا بما يشمل مقاتلات أف-16 وإفهام روسيا بهدوء أنه سيعجز قريباً عن ضبط رغبة أوكرانيا بنقل المعركة إلى الأراضي الروسية. وسيلتزم أعضاء الناتو في جميع الأحوال بإنفاق أكبر على الدفاع وتوضيح أنه يجب عدم الاحتفال بهذه التسوية على أنها “سلام زماننا” بل سيتوجب عليهم الاستعداد لاحتمال حرب مستقبلية مع روسيا.
السؤال الفعلي
بالنسبة إلى الكاتب، سيوقف هذا الاتفاق القتل ويترك جميع الأطراف في مواقع أفضل مما يمكن أن يتوقعوا لو استمرت الحرب. لكن السؤال عما إذا كان من شأن المقترح أن ينجح هو سابق لأوانه. السؤال الآن للولايات المتحدة وشركائها هو ما إذا كان اتفاق كهذا يستحق المحاولة.