أشارت الزميلة المتميزة في معهد المشروع الأمريكي دانيال بليتكا إلى أن “الطلقة الفضية” التي تسقط النظام الإيراني قد تكون موجودة؛ الفساد.ما ينقصها هو قوة غربية مسؤولة لإطلاق الزناد.
وكتبت بليتكا في مجلة “فورين بوليسي” عن زمن ماض كان فيه الإسلامويون السنة والشيعة يتفاخرون بمقاومتهم للفساد المستشري في الشرق الأوسط. لكن تلك الأيام ولت منذ فترة طويلة.
اختلاسات وثروات بالملايين
قيل إن الرئيس الإيراني الأسبق السيئ السمعة علي أكبر هاشمي رفسنجاني امتلك ملايين الدولارات باسمه. وعرضت منظمة متحدون ضد إيران نووية المناهضة للنظام جدولاً زمنياً عن السرقات الرسمية وأوضحت بالتفاصيل ملايين الدولارات التي سُرقت من داخل وزارة النفط الإيرانية والملايين المختلسة من بنوك حكومية، وإنفاق نسب ضئيلة فقط من الاعتمادات الحكومية الصحية على الأدوية واللوازم. بعد تعيين الرئيس الحالي ابراهيم رئيسي لإدارة السلطة القضائية سنة 2019، تم توقيف سلفه لإيداع أموال كفالة وصلت إلى نحو 100 مليون دولار تقريباً في 63 حساباً مصرفياً. تم عرض بعض هذا الفساد بالتفصيل في صحف وتقارير داخل إيران. لكن كلما اقترب الفاسد من القمة انخفض احتمال عرض أي أخبار عنه.
هكذا تطمس الشبهات والتهم
أشار تسجيل صوتي مسرب لعناصر من الحرس الثوري إلى أن القيادي البارز الأسبق في الحرس وعمدة طهران السيئ السمعة لجهة تورطه بالفساد محمد باقر قاليباف قدم رشوة لمسؤولين حكوميين من أجل تفادي تهم بالاحتيال. وكان القائد السابق لقوة القدس قاسم سليماني متورطاً أيضاً حسب التسجيل المسرب.
حصد التقرير تغطية محدودة للغاية داخل إيران بسبب علاقات قاليباف مع المرشد الأعلى علي خامنئي وبسبب ما يوصف باستشهاد سليماني. بالفعل، انتقد خامنئي الصحف للحديث عن التقرير ووصف التسريبات بأنها جهود أعداء لـ”(التشهير) بالعناصر المركزية التي لعبت دوراً في تقدم الثورة…”
وأسقط خامنئي بطريقة مماثلة تهماً باعتداءات جنسية في قضية خطيب قرآني مفضل وانتقد صحفاً ووزراء أبلغوا عن فساد داخل الحكومة وندد بتهم فساد ضد الرئيس السابق للسلطة القضائية صادق آملي لاريجاني الذي اتهم بأنه يتساهل مع السرقة على نطاق واسع. وتم توقيف نائبه السابق بسبب جرائم مالية سنة 2019. وحين بدأ رفسنجاني بتفصيل الثروة الكبيرة لأبناء خامنئي، اعتٌقل نجله سريعاً وحكم عليه بالسجن لعشرة أعوام.
كروبي يحذر
كتب رجل الدين المعارض الذي يبقى قيد الإقامة الجبرية منذ 2011 مهدي كروبي رسالة مفتوحة إلى المرشد الأعلى سنة 2018 اتهمه فيها بالتسامح مع فساد ممنهج وإفقار عشرات الملايين من الإيرانيين في وقت يثري نخبة صغيرة. وحذر من أنه في ظل هذه الظروف، “من الطبيعي أن تتحول الطبقات الدنيا، التي كانت القاعدة الشعبية للثورة الإسلامية، إلى برميل بارود.”
ما لا يريده خامنئي
أضافت الكاتبة أنه بالنظر إلى الوعي المنتشر عن الفساد في إيران قد يتساءل الفضوليون عن سبب إمكانية أن تقلب تفاصيل دنيئة إضافية التوازن لمصلحة ما هي أساساً ثورة منتشرة على نطاق واسع. لكن ثمة فجوة كبيرة في الإبلاغ عن الكسب غير المشروع على أعلى المستويات في الحكومة الإيرانية، مع ظهور مزاعم عن جرائم خامنئي في المنفى والمواقع الأجنبية المناهضة. لا يريد خامنئي أن يعرف مواطنوه أو المسؤولون الحكوميون الأدنى رتبة عن وسع ذنوبه. ولا عجب. فقد ذكرت وزارة التعاونيات والعمل والرفاه الاجتماعي في إيران منذ شهرين أن نحو 60 في المئة من الإيرانيين البالغ عددهم 84 مليون نسمة يعيشون تحت خط الفقر، بينما يعيش ثلث الإيرانيين في “فقر مدقع”، وهو ضعف العدد الذي تم الإبلاغ عنه السنة الماضية.
بعيداً من تحميل الولايات المتحدة أو العقوبات الدولية المسؤولية عن محنتهم، أوضح الإيرانيون أنهم يلومون حكومتهم الخاصة. حين يعلمون في الوقت الحقيقي كم سرق مرشدهم الأعلى وأعوانه فقد ينقلب التوازن ويحول بشكل نهائي ما تبقى من داعمين للنظام في الأجهزة الأمنية والجمهور ضد النظام.
كيف يمكن أن يحصل ذلك؟
اتهم مسؤولون في إدارة ترامب خامنئي بسيطرته على ثروة قريبة من 200 مليار دولار. وفي تحقيق سابق، فصلت وكالة رويترز أصولاً بقيمة 95 مليار دولار بالحد الأدنى. لكن هذا هو مدى ضربات الحكومة الأمريكية ضد المرشد الأعلى. بمقدار ما بدأت إدارة ترامب بتفصيل ثروة خامنئي الشخصية، بإمكان الحكومات الأمريكية والأوروبية الكشف عن شبكة من الأصول المخفية التي يملكها المرشد الأعلى والتصرف بناء على المعلومة.
بعد غزو صدام حسين للكويت، جمدت الحكومة الأمريكية أصول الرئيس العراقي الأسبق، وهذا ما حصل مع القذافي وأعوانه حين قررت الولايات المتحدة أن عليه الذهاب. صحيح أن بعض هذه الأصول كانت سيادية، أي ملك الحكومة اسمياً. لكن ليس جميعها. فلماذا الانتظار؟ تسأل بليتكا. إذا كان بإمكان تجميد أصول أعداء الولايات المتحدة الفاسدين خلال الحرب أو الإطاحة بهم، فلماذا لا يمكن فعل ذلك بشكل استباقي؟ كما أوضحت إدارة بايدن بشدة في قضية الأوليغارشيين الروس وأعوان بوتين، فإنها تتمتع بالسلطة الشرعية لتجميد عائدات الفساد.
سؤال أخير
للولايات المتحدة مجالات عدة للتحدث إلى الشعب الإيراني بشكل مفصل سواء من خلال تسريبات صحافية أمريكية عبر راديو فاردا الفارسي أو منبر الرئيس الأمريكي نفسه. وختمت بليتكا متسائلة إذا كان الفساد فعلاً عقب أخيل النظام الإيراني كما اقترح كبار المسؤولين الأمريكيين أمامها أفلم يحن الوقت كي يبدأ أحد باستغلال ذلك الضعف لمصلحة الشعب الإيراني الذي طالت معاناته؟