تقارير

ما لا تعرفه عن شم النسيم والأصل الفرعوني

تقرير/ياسمين ياسر

شم النسيم

 

يُعد شم النسيم من أقدم الأعياد المصرية، ويحتفل به جميع طوائف الشعب المصرى على مدار سنوات طويلة، ويُرجع بعض المؤرخين هذا العيد إلى الحضارة المصرية القديمة، فيما يشير البعض الآخر إلى أن طقوس العيد مستمدة من طقوس الاحتفالات الشعبية عند المصرى القديم الذى حوّل الكثير من مناسباته إلى أعياد شعبية، مؤكدين أن المصرى القديم كان سعيداً ومحباً للحياة.

 

أكلاته مقدسة وتحمل دلالات دينية

وقال مجدى شاكر، كبير الأثريين بوزارة الآثار، إن شم النسيم عيد مصرى الهوى والهوية، وبحسب الوثائق يعود تاريخ الاحتفال به إلى أكثر من 4000 سنة، والمصرى القديم كان يقسم الفصول إلى 3 فصول، منها «شمو»، وهو موسم الحصاد، وكان يتم الاحتفال به فيما يوافق شهر مارس، ولما دخلت الديانة المسيحية تم تأجيله إلى ما بعد عيد القيامة مباشرة، بعد إفطار المسيحيين.

 

وأضاف أن المصريين يأكلون الأكلات الخمس المقدسة، وهى الخس والفسيخ والملانة والبصل والبيض، وجميعها تحمل دلالات دينية، مثلاً البيض كان يرتبط باعتقاد المصرى القديم بأن الكون عبارة عن بيضة، وفى ليلة شم النسيم كان المصرى يكتب أمنياته على البيض ويعلقه فى سلال على أغصان الشجر وعندما تشرق الشمس تظهر على البيض المعلق، كما كانوا يعلقون البيض على بيوتهم لمنع دخول الأرواح الشريرة، والمرأة تصنع عقوداً من زهور اللوتس لتهديها لزوجها، وهو ما أُخذ عنه الأشكال المصنوعة من السعف عند الأقباط، ثم يخرج المصريون إلى المتنزهات ويأكلون السمك المملح الذى كان لديهم منه كميات كبيرة، كما يأكلون الملانة (الحمص)، والخس الذى كان نباتاً مقدساً، كما كان للبصل نوع من التقديس، وسبق أن شفى ابن أحد الملوك.

 

وقال المؤرخ بسام الشماع إن أول يوم من كل موسم كان عيداً عند المصرى القديم، والمصرى القديم كان عنده ثلاثة مواسم «آخت، وپرت، وشِمو»، وهى مواسم الفيضان، والبرد، والحصاد، ويطلق عليه البعض الربيع، وكل موسم كانت مدته 4 شهور، ويربط البعض بين عيد شم النسيم وموسم الحصاد أو «شمو»، لكن لا يوجد رابط علمى أو دليل على ذلك.

 

ويمكننا الرجوع إلى ما هو موثق عن مظاهر احتفال المصريين بأعيادهم التى تتشابه مع احتفالات شم النسيم الحالية، وأكد أن المصرى كان شخصية احتفالية بامتياز، ومن أبرز مظاهر الاحتفالات عندهم الخروج إلى المتنزهات وركوب المراكب فى النيل، والاحتفال بالأغانى المبهجة والعزف على الآلات الموسيقية فى دليل على حب الحياة، حتى بلغ عددها 60 عيداً فى العام الواحد فى عهد الملك رمسيس الثالث.

 

وبخصوص المأكولات التى نتناولها حالياً فى شم النسيم، مثل البصل والأسماك والبط، فقد كان يأكلها المصريون فى مواسمها، وربما لذلك ربط البعض بين تناول البصل والخس بشم النسيم الحالى وتناوله فى الحضارة القديمة، أما الأسماك فكانت تؤكل مغلية أو مملحة أو نيئة ومجففة، بحسب ما ذكره المؤرخ هيرودوت.

 

وعن تلوين البيض قال «الشماع» إن البيض عند المصرى القديم له علاقة ببداية الخلق والحياة، وتوجد مناظر لبيض أبيض مرسومة على جدران الآثار المصرية، كما تم اكتشاف بيض نعام أصلى وبيض تماسيح، ورسم المصرى القديم رسومات متنوعة على بيض النعام وبيض التماسيح، وهى غالباً رسومات لها مدلولات دينية لأن التمساح كان معبوداً عندهم، مشيراً إلى أن المصرى القديم لم يلون بيض الدجاج كما يحدث الآن فى شم النسيم.

 

وأشار «الشماع» إلى توقيت شم النسيم كعيد يرتبط بشكل أكبر مع الأعياد القبطية التى تلت عصر الأسرات، وربما بعد مجىء الرومان، ودخول المسيحية، والعادات المصرية المرتبطة بالحياة القبطية، بدليل أن شم النسيم يأتى كل عام بعد يوم الأحد عيد القيامة عند الأقباط.

 

القدماء كانوا يحتفلون بارتداء أفضل الثياب والتطيب بالعطور والاستيقاظ مبكرا ليقصدوا الحدائق والبحيرات

ويقول عصام ستاتى فى كتابه «شم النسيم عادات وأساطير» إن المصريين كانوا يحتفلون بهذا العيد بارتداء أفضل الثياب والتطيب بأفضل العطور، والاستيقاظ قبل شروق الشمس، ليقصدوا الحدائق والبحيرات، بينما صفحة النيل تمتلئ بالزوارق والمراكب التى تزينها زهور اللوتس وفروع الأشجار. ويشير الكتاب إلى أن تناول الأسماك المملحة كان أمراً شائعاً، حيث كان المصرى القديم بجانب رمزيتها الدينية يعتقد أنها تقيه ضربات الشمس، فضلاً عن ارتباط تناولها بأسباب عقائدية تنطوى على أن الحياة خُلقت من محيط مائى أزلى لا حدود له، خرجت منه جميع الكائنات، أعقبه بعث للحياة ووضع قوانين الكون.

 

ولا يقل تناول البصل الأخضر أهمية عن السمك المملح لفوائده الصحية بحسب «ستاتى»، إذ تشير الأسطورة إلى أن ملكاً مرض ابنه، وأخبره الكهنة بأنه يعانى من سحر، وأمروا بأن يُوضع تحت رأسه فى الليل ثمرة بصل ناضجة بعد قراءة بعض التعاويذ عليها، وفى الصباح شقّها الكاهن نصفين وقرّبها من أنف الصبى فشُفى على الفور.

 

كما حمَّل المصرى القديم البيض مدلولاً دينياً وفكرياً، حيث أشار إلى أنه يرمز إلى التجدد وبداية خلق جديد، وأطلق المصرى على البيضة «سوحت»، وذكرها فى برديات الأدب الدينى القديم عندما اعتقد أن الإله «خلق الأرض من صلصال فى هيئة بيضة، ودبت فيها الروح فبدأت فيها الحياة». لذا كانوا يقدمون البيض على موائد القرابين لدلالته الرمزية والدينية على حد سواء.

 

واستمراراً لارتباط الطقس بالأساطير فى الاحتفال بشم النسيم، يبرز طقس الاستيقاظ مبكراً فى هذا اليوم، حيث يعتقد البعض أن ذلك كفيل بإزالة «كسل» الأيام الماضية، ويمنحهم نشاطاً حتى عيد شم النسيم التالى، ومن لم يفعل ذلك سيكون مصيره الكسل لمدة عام مقبل.

 

وكان يُحتفل بعيد شم النسيم فى موعد الاعتدال الربيعى، ولكن بعد انتشار المسيحية فى مصر مع القرن الرابع الميلادى، واجه المصريون مشكلة فى الاحتفال بهذا العيد، إذ إنه كان يقع دائماً خلال الصوم الكبير الذى يتميز بالنُسك مع الامتناع عن تناول جميع الأطعمة التى من أصل حيوانى، لذلك تم تأجيل الاحتفال بـ«شم النسيم» إلى ما بعد فترة الصوم، واتفقوا على الاحتفال به فى اليوم التالى لعيد القيامة المجيد الذى يأتى دائماً يوم أحد، فيكون عيد شم النسيم يوم الاثنين التالى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: