مشهد يعكس مكانة مصر التاريخية ودورها المحوري في قضايا المنطقة احتضنت مدينة شرم الشيخ مؤتمرًا دوليًا موسعًا بمشاركة قادة وزعماء عرب وأوروبيين وممثلين عن الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي لمناقشة تطورات الأزمة الإنسانية في قطاع غزة وسبل وقف العدوان المتصاعد ضد المدنيين.
المؤتمر جاء بعد أشهر طويلة من الحرب التي راح ضحيتها الآلاف من الأبرياء ومع تدهور الأوضاع الإنسانية بشكل غير مسبوق وغياب أي أفق سياسي للحل من هنا، جاء التحرك المصري ليعيد الملف الفلسطيني إلى صدارة المشهد الدولي من جديد.
_ مصر صوت الحكمة في زمن الأزمات
منذ اندلاع الحرب، لعبت مصر دورًا مركزيًا في كل مراحل الأزمة.
فالقاهرة لم تكتفِ بإدانة العدوان بل فتحت حدودها الجنوبية أمام القوافل الإنسانية القادمة إلى غزة عبر معبر رفح، ونسّقت مع الأمم المتحدة لإدخال الغذاء والدواء والوقود إلى الأهالي المحاصرين.
وفي كلمته الافتتاحية بالمؤتمر أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن أمن غزة جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري والعربي، وأن مصر لن تقبل تحت أي ظرف محاولات التهجير القسري أو تصفية القضية الفلسطينية مشددًا على أن الحل لا يكون بالحرب بل عبر إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وأضاف الرئيس أن مصر رغم ما تتحمله من أعباء سياسية واقتصادية وأمنية لم ولن تتخلى عن دورها في دعم الأشقاء الفلسطينيين وأن القاهرة تعمل على مدار الساعة من أجل وقف إطلاق النار الشامل وعودة الهدوء إلى القطاع مؤكدًا أن مصر لا تسعى إلى مكاسب، بل إلى حماية الإنسان وصون استقرار المنطقة بأكملها.
_ مؤتمر بشرعية دولية واسعة
حظي المؤتمر بتغطية إعلامية عالمية كبيرة، وشارك فيه عدد من أبرز القادة من بينهم رؤساء وحكومات دول عربية وأوروبية بالإضافة إلى ممثلين عن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وجاءت كلمات الزعماء لتؤكد على التوافق الدولي حول ضرورة التهدئة إذ دعا الجميع إلى وقف فوري لإطلاق النار ورفض أي محاولات لتهجير المدنيين أو فرض واقع جديد في غزة.
وقد اتفق المشاركون على أهمية دعم الجهود المصرية باعتبارها الجهة الأكثر قدرة على التواصل مع جميع الأطراف وإدارة حوار متوازن يضمن وقف العدوان واستئناف العملية السياسية.
كما طرحت خلال الجلسات مبادرات إنسانية عاجلة، من بينها إنشاء ممرات آمنة لإدخال المساعدات تحت إشراف دولي، وتشكيل لجنة متابعة تضم مصر والأردن وقطر بالتنسيق مع الأمم المتحدة لمواصلة التحرك في الفترة المقبلة.
️_ نتائج ملموسة وتحركات واقعية
خرج المؤتمر بعدد من النتائج والتوصيات المهمة التي يمكن أن تشكل نقطة تحول في مسار الأزمة من أبرزها:
1_ تعهدات دولية بزيادة حجم المساعدات الإنسانية إلى غزة عبر الأراضي المصرية مع تسهيل دخول الأدوية والمواد الغذائية والوقود إلى القطاع.
2_ إدانة دولية واضحة لأي محاولات للتهجير القسري واعتبارها مخالفة صريحة للقانون الدولي والمواثيق الأممية.
3_ تجديد الدعم الكامل للمبادرة المصرية للتهدئة باعتبارها الإطار العملي الأكثر واقعية لوقف إطلاق النار.
4 _ الاتفاق على استمرار التنسيق الأمني والسياسي مع القاهرة لمتابعة التطورات الميدانية وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها.
5_ تأكيد أن الحل السياسي هو المسار الوحيد لتحقيق الأمن، من خلال العودة إلى مفاوضات جادة تؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
_ الوضع الإنساني في غزة محور الاهتمام
خلال المؤتمر، قدم ممثلو المنظمات الإنسانية تقارير صادمة عن حجم الدمار في غزة حيث تضررت البنية التحتية بشكل واسع وانهارت منظومات الصحة والتعليم، وأصبح أكثر من مليوني إنسان مهددين بالمجاعة والعطش والمرض.
وفي هذا السياق، ناشدت مصر المجتمع الدولي بضرورة التحرك الفوري لتوفير تمويل عاجل لإعادة إعمار القطاع ودعم المستشفيات والملاجئ والمدارس كما أكدت القاهرة أن استمرار الحرب يعني انفجارًا جديدًا في المنطقة لن ينجو منه أحد.
_ مصر توازن بين الإنسانية والسياسة
اللافت في هذا المؤتمر أن مصر استطاعت أن تجمع الأطراف المختلفة على طاولة واحدة دون انحياز أو تصعيد، بل بالاعتماد على الحياد الإيجابي والدبلوماسية الهادئة التي ميّزت سياستها الخارجية في السنوات الأخيرة.
فبينما يرفع العالم شعارات متناقضة، تبقى مصر الدولة الوحيدة التي تتحرك بالفعل على الأرض تنسق وتستقبل المساعدات وتفتح المعابر وتستضيف المؤتمرات وتدير الحوارات.
_ وختامًا
مؤتمر شرم الشيخ لم يكن حدثًا سياسيًا عابرًا بل رسالة مصرية واضحة إلى العالم بأن الضمير الإنساني لا بد أن ينتصر على منطق القوة وأن العدل والسلام لا يمكن أن يتحققا إلا بإقرار حقوق الشعب الفلسطيني كاملة.
وبينما تتصاعد نيران الحرب في المنطقة، تؤكد مصر مرة أخرى أنها صوت العقل والاتزان وأنها ماضية في طريقها نحو سلام عادل وشامل يحفظ كرامة الإنسان العربي ويعيد للقضية الفلسطينية مكانتها في وجدان الأمة والعالم.