
في نهاية عام 2024، تحولت الممرضة المصرية نعمة مهدي من موظفة في هيئة التأمين الصحي إلى اسم تتداوله وسائل الإعلام ومواقع التواصل بكثافة، بعد أن فجّرت واحدة من أخطر القضايا المرتبطة بصحة الأطفال. القصة بدأت عندما نشرت نعمة عبر حساباتها مقطع فيديو تتحدث فيه عن وجود تطعيمات مدرسية منتهية الصلاحية تُعطى للأطفال داخل المدارس الحكومية بمحافظة الإسكندرية. ما قالته لم يكن مجرد شكوى عابرة، بل تحذير صريح وعلني مما وصفته بـ”كارثة صحية”.
ما هي إلا أيام قليلة حتى بدأت الضغوط تتصاعد على الممرضة. بدلًا من فتح تحقيق موسع حول الواقعة، فوجئت بقرار فصلها من العمل، واستدعاء أمني، ثم اتهامات صادمة بالاتجار في أدوية مخدرة، وهو ما اعتبره كثيرون محاولة لإسكات صوتها وتشويه صورتها. وزارة الصحة من جانبها أصدرت بيانًا نفت فيه بشكل قاطع وجود أي تطعيمات غير صالحة، وأكدت أن جميع اللقاحات تمر بمراجعات دورية دقيقة وفقًا للمعايير الطبية المتبعة. البيان لم يذكر اسم نعمة صراحة، لكنه أشار إلى ما وصفه بـ”الشائعات المغرضة” التي تهدف إلى زعزعة الثقة في المنظومة الصحية.
الشارع المصري كان له رأي آخر. خلال ساعات من انتشار الواقعة، تصدّر اسم نعمة مهدي الترند على تويتر، وأطلق ناشطون هاشتاجات داعمة لها مثل #كلنا_نعمة و#ادعموا_نعمة_مهدي. كثيرون اعتبروا ما حدث انعكاسًا واضحًا لمشكلة أعمق تتعلق بالرقابة والمساءلة داخل مؤسسات الدولة، خاصة في ملفات حساسة كالصحة والتعليم. البعض ذهب إلى وصف ما تعرضت له نعمة بأنه “رسالة تهديد لكل من تسوّل له نفسه كشف الفساد”.
المثير أن نعمة، رغم التهديدات، لم تتراجع عن موقفها، وظلت تصر على أن ما قالته موثق، وأنها أبلغت الجهات المختصة أكثر من مرة دون استجابة حقيقية. منظمات حقوقية دخلت على خط الأزمة، وطالبت بفتح تحقيق نزيه وتوفير حماية قانونية للمبلغين عن الفساد، واعتبرت أن معاقبة من يبلّغ عن الخطأ أخطر بكثير من الخطأ نفسه.
الأزمة سلطت الضوء على ضعف الحماية القانونية للعاملين في القطاع الصحي، وعلى غياب آلية فعالة تتيح الإبلاغ الآمن عن المخالفات دون خوف من فقدان الوظيفة أو الملاحقة. كما أعادت النقاش حول مدى استقلالية الجهات الرقابية، ومدى استعداد الدولة للتعامل بشفافية مع القضايا التي تمس صحة المواطن.
وبين نفي الوزارة ودعم الناس، بقيت نعمة مهدي في المنتصف: ضحية أم بطلة؟ خائنة للمنظومة أم أمينة على أرواح الأطفال؟ الإجابة النهائية لا يملكها سوى ضمير المجتمع، والمؤسسات المعنية بمحاسبة كل من يتورط، سواء بالفعل أو بالتستر. ما كشفته مهدي قد يمر مثل غيره من القصص التي تُنسى، أو قد يكون بداية حقيقية لتحول جذري في طريقة التعامل مع صوت الداخل عندما يعلو على مصلحة المنصب.
نعمة مهدي، فساد وزارة الصحة، المبلغين عن الفساد في مصر، أزمة تطعيمات المدارس، صحة الأطفال في الإسكندرية، فصل الممرضات في مصر.