فن

أنا وفنجاني

بقلم إبراهيم عبد المحسن

 

 

هل فكرت يومًا لماذا يقال إن القهوة هي أفضل صديق للمزاج؟ لا أعني فقط ذلك الكوب الأسود الساخن الذي تصنعه بسرعة في الصباح قبل أن تنطلق في دوامة الحياة، بل تلك اللحظة التي تقف فيها ممسكًا بفنجانك وكأنك تلتقي بصديق قديم يعود ليمنحك طاقة وأملًا جديدًا. القهوة ليست مجرد مشروب، بل هي طقس صغير يُعيد ترتيب مزاجك، وكأنها تقول لك: “يلا يا بطل، الحياة لسه بتبدأ”.

 

 

 

 

في صباحات كثيرة، ربما استيقظت وأنت تشعر وكأنك نائم من يومين، والدماغ لا يستجيب، والعيون ترفض فتح النوافذ للضوء، لكن بمجرد أن تأخذ رشفة من القهوة، نشعر بالسعادة والتركيز. لذلك، في كثير من الأحيان، يكون فنجان القهوة هو ما يفصل بين “أنا غارق في الكسل” و”انا بكامل نشاطي 

 

 

 

 

لكن العلاقة بين المزاج والقهوة ليست دائمًا وردية، ففي بعض الأحيان قد نجد أن الإفراط في تناول القهوة يؤدي إلى شعور بالقلق أو التوتر، وكأن القهوة التي كان من المفترض أن تكون حليفك أصبحت عدواً! لذا، يجب أن نكون أذكياء في اختيار الكمية التي نستهلكها، فكما يقولون، القهوة صديق جميل لكنها مثل أي صديق آخر، تحتاج إلى حدود واحترام.

 

 

 

 

المثير في الأمر أن القهوة لا تؤثر فقط على مزاجنا من خلال الكافيين، بل إن طقوس تحضيرها وشربها لها دور كبير في تحسين حالتنا النفسية. رائحة البن المطحون، صوت مياه الغليان، لحظة انتظار الفنجان ليبرد قليلاً قبل أن تشربه… كلها لحظات تساعد على تهدئة الأعصاب وتجعلنا ننتقل من حالة التوتر إلى حالة من الاسترخاء البسيط. في الواقع، القهوة هي علاج نفسي صغير نقدمه لأنفسنا كل يوم.

 

 

 

 

هل تذكر تلك اللحظات التي يكون فيها المزاج سيئًا وتشعر أن العالم كله ضدك؟ في مثل هذه الأوقات، يكون كوب القهوة بمثابة طوق النجاة. تشربه وكأنك تقول لنفسك: “مهما كان، سأستمر، وسأتغلب على كل شيء”. القهوة تمنحنا ذلك الشعور بالثبات وسط الفوضى، وتذكرنا أن نأخذ لحظة للراحة حتى لو كانت الحياة تضغط علينا من كل جانب.

 

 

 

 

ومع ذلك، هناك حقيقة مضحكة، وهي أن المزاج يؤثر على طريقة استمتاعنا بالقهوة أيضًا. عندما تكون متوترًا أو غاضبًا، قد تشعر أن طعم القهوة مرّ أكثر من اللازم، أو أن الرائحة ليست كما تتوقع. أما عندما تكون في مزاج جيد، فإن أبسط فنجان قهوة يصبح مثل نغمة موسيقية مميزة ترقص معها. لذلك، المزاج والقهوة مرتبطان بطريقة لا تنفصل، كل واحد يؤثر على الآخر.

 

 

 

 

وأنا هنا أتحدث عن القهوة كرفيق للمزاج، لكن القهوة هي أيضًا رفيق اجتماعي. من منا لم يختبر لحظة ضحك مع الأصدقاء على كوب قهوة، أو جلسة تأمل صامتة مع الذات بفنجان في اليد؟ القهوة تجمع الناس، تخلق لحظات من الدفء، وتكسر حاجز الصمت بين الناس. حتى في العمل، تجد أن فترات استراحة القهوة هي الأكثر إلهامًا وإنتاجية، ليس فقط بسبب الكافيين، بل لأننا نشارك لحظات صغيرة من الهدوء وسط صخب الحياة.

 

 

 

 

لكن، هل القهوة هي السبب في بعض مواقفنا المحرجة؟ بالطبع! ومن منا لم يبتلع رشفة قهوة في الوقت الخطأ، أو تسرب بعض منها على ملابسه أثناء التوتر؟ رغم هذه المواقف، لا نستطيع إنكار أن القهوة هي أحد أكثر المشروبات محبة وتأثيرًا في حياتنا اليومية. أحيانًا نشعر أن القهوة تفهمنا أكثر من أي شخص آخر، تواسي مزاجنا السيئ، وتحتفل معنا في المزاج الجيد.

 

 

 

 

إن القهوة ليست مجرد مشروب يمدنا بالطاقة، بل هي قطعة من الراحة النفسية التي نحتاجها في عالم سريع ومزدحم. هي لحظة نقف فيها قليلاً لنستمتع بالهدوء، حتى لو كان لبضع دقائق فقط. ولأن المزاج يتغير يوميًا، نجد في القهوة تلك الثابتة التي يمكننا الاعتماد عليها، تلك الرفيقة التي تعيد لنا توازننا مهما اختلت الأمور.

 

 

 

 

لذلك، في المرة القادمة التي تشعر فيها بأن اليوم بدأ صعبًا، لا تتردد في منح نفسك فنجان قهوة. ليس فقط لأن الكافيين سيحفزك، بل لأنك تستحق تلك اللحظة الصغيرة من الدفء والراحة، لأن المزاج الجيد يبدأ دائمًا بخطوة بسيطة أو رشفة بسيطة. وبالمناسبة، إذا نسيت فنجان القهوة صباحًا، تذكر أن العالم ما زال جميلاً، لكنه سيكون أجمل بكوب قهوة بين يديك.

 

 

 

 

أما الآن، دعني أخبرك بسر صغير: القهوة مثل المزاج، لا تحب أن تكون وحيدة، لذلك لا تشربها بسرعة، بل استمتع بها وشاركها مع من تحب، لأن السعادة تتضاعف عندما تشاركها، سواء كانت قهوة أو مزاجًا جيدًا!

 

 

 

 

هل تعلم أن الحياة مثل القهوة أحيانًا تكون مرة، وأحيانًا ساخنة، وأحيانًا تحتاج إلى قليل من السكر لتصبح ألذ؟ المهم ألا تنسى أن تستمتع بكل رشفة، لأن كل لحظة في رحلتك تستحق أن تُذوقها. اغمض عينك قليلاً وتذكر أفضل لحظاتك وأنت تمسك فنجانك وترافق شخصك المفضل.

 

 

 

 

أعلم أنني أطلت عليك، لكن أنا واثق أن فنجان القهوة الذي تملكه الآن هو الذي جعلك تصل إلى هنا، وهذا بحد ذاته إنجاز صغير نحتفل به معًا.

 

 

وداعا يا عزيزي نلتقي في مقال آخر

دليل اطباء الاجواء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: