سلّط ضابط إيراني سابق في وكالة الاستخبارات المركزية، الضوء على الانقسامات الداخلية في السياسية الإيرانية، وتأثير ذلك على الشعب الذي لا يزال يحاول مواصلة احتجاجاته المستمرة منذ سبتمبر الماضي رفضاً للنظام، على الرغم من عمليات القمع المستمرة على الجبهة المقابلة.
يقول رويل مارك غيريخت في مقال بصحيفة “وول ستريت جورنال”، إنه “في دوائر السياسة الخارجية الليبرالية في واشنطن، كان من المقبول اعتماد فكرة أن أي عمل عسكري أجنبي كبير ضد إيران سيؤدي إلى نتائج عكسية، حيث ستكون القومية الإيرانية في حالة تأهب، وتحوّل معارضي النظام إلى وطنيين غاضبين، بينما يصبح المتشددون الإيرانيون أكثر تمرداً، مما يحول دون إمكانية الإصلاح. لكن بعد مرور 44 عاماً على الثورة الإسلامية، لم يعد صحيحاً أن القوميين الإيرانيين يدعمون الوضع الراهن. في الواقع، يبدو أنهم يعارضونه”.
انقسامات داخلية
ويشير الباحث الإيراني إلى أنه لطالما اشتبك رجال الدين مع الديمقراطية المحدودة للجمهورية الإسلامية وسعوا إلى سحقها، والتي أعطت الحكومة في البداية شرعية سياسية داخلية كبيرة ودعماً شعبياً واسعاً. لكن مع موت الديمقراطية وإمكانية الإصلاح الداخلي، نمت الاحتجاجات في أراضي البلاد من جديد بسبب الفساد المنهجي، والسجل الاقتصادي السيء، وعدم الكفاءة الإدارية خلال جائحة كورونا، ناهيك عن السياسة الخارجية للنظام.
ومنذ إقامة الثورة الإسلامية عام 1979، أصبح الإيرانيون أكثر افتتانا بالأفكار الغربية مثل الحقوق الأساسية والحكومة التمثيلية، وهذا ينطبق بشكل خاص على النساء، كما كان واضحاً في المظاهرات الأخيرة التي عمّت جميع أنحاء البلاد وأثارتها وفاة مهسا أميني الفتاة الكردية الإيرانية على يد شرطة الأخلاق، كما أخرجت المظاهرات الإيرانيين من جميع الطبقات الاجتماعية، مما يشير إلى انتشار المعارضة في شتى أنحاء البلاد.
ويلفت الكاتب إلى أن “الكثير ممن ينتمون إلى الثورة الإسلامية يجترون الآن بصوت عال حول الانقسام بين المجتمع الإيراني والدولة، فمثلاً إذا زرت الموقع الإلكتروني للرئيس السابق حسن روحاني، سترى أنه مليء بالنقد لحكومة إبراهيم رئيسي الحالية، وبالتالي سيادة المرشد الأعلى علي خامنئي”.
رد عسكري
ويضيف “كما أن رئيس الوزراء السابق والمرشح الرئاسي حسين موسوي، الذي كان زعيماً للحركة الخضراء المؤيدة للديمقراطية في عام 2009 ويخضع للإقامة الجبرية منذ عام 2011، يدعو الآن صراحة إلى إلغاء الدستور الذي يمكن الثيوقراطيين”.
ويرى غيريخت أنه من غير المحتمل أن يؤدي الرد العسكري الغربي إلى شفاء هذا الانقسام، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى “اشمئزاز الجمهور العميق من الثيوقراطية الحاكمة في إيران”.
سعى النظام في مواجهة جمهور محلي معاد بشكل متزايد له، إلى خلق متشددين ومنتمين له في الخارج، أينما استطاع الحرس الثوري أن يكتسب قوة ويمد ذراعه سواء في لبنان أو في سوريا أو في القدس، لكن هذه الجهود قوبلت بالتراجع، حتى في المناطق ذات الأغلبية الشيعية.
ففي سوريا مثلاً يقول الكاتب: “أراد الحرس الثوري دمج البلاد في جبهة المقاومة، وهو مصطلح نظام الملالي للوكلاء والحلفاء المناهضين لأمريكا وإسرائيل. وبدلاً من ذلك، دمّرت القوة الجوية الإسرائيلية باستمرار القواعد الإيرانية في سوريا، وكشفت ضعف الجمهورية الإسلامية وقتلت عدداً كبيراً من الإيرانيين”.أعباء الشعب
في الشوارع الإيرانية، يلقي الشعب المحتج باللوم على قادته في محنته الاقتصادية، وليس على الولايات المتحدة وعقوباتها، بل يهتف المتظاهرون ضد إرسال الأموال إلى قضايا خارجية لا يهتمون بها، ولا شك أن الطائرات بدون طيار التي أرسلتها طهران إلى القوات الروسية في أوكرانيا ستنضم قريباً إلى هذه القائمة، بحسب الكاتب.
ويشير الكاتب والباحث الإيراني إلى أنه “بعيداً عن إخماد غضب الإيرانيين من النظام، فإن الرد العسكري الأمريكي من المرجح أن يؤججه أكثر. يعرف خامنئي بالتأكيد أنه لا يستطيع تحمل القتال مع قوة عظمى، أو حتى اشتباك مطول مع إسرائيل في وقت تستمر فيه الاضطرابات الشعبية الواسعة، لكن من المفارقات أن طهران الآن في أضعف حالاتها، بينما واشنطن في أكثر حالاتها تحفظاً”.