
في إطار الجهود المستمرة لمواجهة مشكلة التقزم لدى الأطفال في مصر، شدّد خبراء الصحة والتغذية على أن مكافحة التقزم ليست مسؤولية الأم وحدها، بل تتطلب مشاركة فعّالة من الأب في كافة جوانب تربية الطفل، وعلى رأسها التغذية الصحية السليمة.
وتشير الإحصاءات الصادرة عن وزارة الصحة والسكان إلى أن نسبة التقزم بين الأطفال لا تزال تمثل تحديًا صحيًا في عدد من المحافظات، خاصة في المناطق الريفية والمحرومة. وفي هذا السياق، أكدت الحملات التوعوية التي تطلقها الجهات المختصة أهمية الدور المشترك بين الوالدين، حيث يلعب الأب دورًا محوريًا في توجيه سلوكيات الطفل الغذائية وتشجيعه على تناول أطعمة صحية ومتوازنة.
ويقول الدكتور أحمد مراد، أخصائي التغذية العلاجية، إن تغذية الطفل لا تتوقف فقط على ما تقدمه الأم داخل المنزل، بل تتأثر أيضًا بالقدوة التي يقدمها الأب، سواء من خلال عادات الطعام أو أسلوب التشجيع والمكافأة. وأضاف: “عندما يرى الطفل والده يفضل الفاكهة والخضروات على الوجبات السريعة والمشروبات الغازية، فإنه يكتسب هذه السلوكيات الصحية بشكل طبيعي”.
وتسعى المبادرات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني إلى زيادة وعي الأسر المصرية بضرورة الابتعاد عن العادات الغذائية الخاطئة، مثل الإفراط في تناول الأطعمة المصنعة والمشروبات الغازية، التي تؤثر سلبًا على النمو البدني والعقلي للطفل. وفي هذا الإطار، أطلقت حملة “صحة أولادنا أمانة في رقبتنا”، والتي تستهدف توعية الآباء بضرورة تخصيص وقت للجلوس مع الأبناء أثناء تناول الوجبات، والمشاركة في اختيار الأطعمة الصحية، مما يعزز من ترابط الأسرة ويدعم الصحة العامة للطفل.
ويؤكد الأطباء أن السنوات الخمس الأولى من عمر الطفل تُعدّ مرحلة حرجة، حيث تتشكل خلالها أغلب ملامح النمو الجسدي والعقلي، مما يجعل نوعية الغذاء الذي يتناوله الطفل عاملاً حاسمًا في الوقاية من التقزم والأمراض المرتبطة بسوء التغذية. وهنا تبرز أهمية دور الأب في دعم الأم، ليس فقط من خلال توفير الغذاء الصحي، بل أيضًا بالمشاركة الفعلية في المتابعة اليومية لنوعية الأطعمة التي يتناولها الطفل.
وفي تصريحات خاصة، أوضح الدكتور محمود عبد الفتاح، استشاري طب الأطفال، أن “الأب الذي يدعم الأم في تنظيم الوجبات، ويتجنب إدخال الوجبات السريعة إلى المنزل، يخلق بيئة غذائية صحية تساعد الطفل على النمو السليم. كما أن تفاعل الأب مع الطفل خلال تناول الطعام يعزز من شهية الطفل نحو الأطعمة المفيدة مثل الحبوب الكاملة، البروتينات، الخضروات، والفواكه”.
وقد بدأت بعض المدارس والمراكز الصحية في تنظيم ورش عمل مخصصة لتدريب الآباء على أساسيات التغذية السليمة، إلى جانب دورهم في تعزيز الصحة النفسية لأطفالهم، وهو ما ينعكس مباشرة على شهية الطفل ونمط أكله.
من جهة أخرى، شددت وزارة الصحة على ضرورة إدراج التغذية الأسرية المتكاملة ضمن البرامج التثقيفية في وحدات الرعاية الأولية، وذلك لضمان شمولية التوعية لكلا الوالدين، مما يرفع من كفاءة التدخلات الوقائية والعلاجية ضد التقزم.
وفي ختام التقرير، دعت الجهات المختصة كافة وسائل الإعلام والمؤسسات التربوية إلى تبنّي خطاب توعوي يوجه الرسائل لكلا الأبوين، ويكسر الصورة النمطية التي تجعل الأم وحدها مسؤولة عن تغذية الطفل، مؤكدة أن بناء جيل سليم جسديًا وعقليًا يبدأ من أسرة واعية تشترك في المسؤولية وتؤمن بأن الصحة تبدأ من المائدة المنزلية.