
يدخل الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا يومه السادس، وسط عمليات مكثفة من قبل فرق الإنقاذ للعثور على ناجين من تحت الأنقاض في ظل تلاشي الآمال بالعثور عليهم.
وارتفع عدد الضحايا إلى أكثر من 30 ألفاً اليوم الأحد، وسط تحذيرات لمنظمة الصحة العالمية من خطر داهم يهدد حياة أكثر من 5 ملايين شخص بسبب الزلزال.
ولا تزال بعض الهزات الارتدادية تتوالى في تركيا، والتي باتت تهدد المباني المتصدعة في بعض المناطق بالانهيار ما يزيد الوضع سوءاً، في حين توقفت أعمال البحث في الشمال السوري وانصبت الجهود على انتشال الجثث من تحت الركام ومحاولة إيواء السكان وسط شح في المساعدات.

إنقاذ أم انتشال
أكد نائب الرئيس التركي فؤاد أوقطاي اليوم الأحد، على أن عمليات البحث والإنقاذ مازالت مستمرة وأنهم لن يفقد الأمل حتى آخر لحظة، وذلك بعد إعلانه عن ارتفاع عدد ضحايا الزلزال المدمر إلى 24 ألفاً و617 قتيلاً، وأشار إلى أنه يتم اتخاذ كل التدابير لمواجهة احتمالات انتشار أوبئة في المناطق المنكوبة.
فيما أعلنت منظمة الدفاع المدني السوري المعروفة باسم “الخوذ البيضاء”، أول أمس الجمعة، عن انتهائها من عمليات البحث والإنقاذ والانتقال لمرحلة البحث والانتشال، وأوضحت في بيان صحفي، انتهاء عمليات البحث وإنقاذ العالقين تحت الأنقاض في المناطق المنكوبة بشمال غربي سوريا، والبدء بعمليات البحث والانتشال، وذلك بعد شبه انعدام لوجود أحياء.
وبلغت إحصائية الضحايا التي استجابت لها منظمة الدفاع المدني السوري في شمال غرب سوريا منذ بداية الزلزال، أكثر من 2166 وفاة، وأكثر من 2950 مصاباً، خلال ما يزيد عن 108 ساعة من العمل في أكثر من 40 مدينة وبلدة وقرية.

سوء الأوضاع الأمنية
وفي سياق متصل، أوقف رجال الإنقاذ الألمان والجيش النمساوي عمليات البحث أمس السبت، بسبب وقوع اشتباكات بين مجموعات لم تُحدد، وقال أحد المنقذين إنه من المتوقع أن يزداد الوضع الأمني سوءاً مع تضاؤل الإمدادات الغذائية.
وقال متحدث باسم الجيش النمساوي إن “الاشتباكات بين مجموعات مجهولة الهوية في ولاية هاتاي جعلت عشرات الأفراد من وحدة الإغاثة من الكوارث التابعة للقوات النمساوية يبحثون عن ملاذ آمن في معسكر بقاعدة عسكرية مع منظمات دولية أخرى”.
وبعد ساعات من توقف النمسا عن تقديم جهود الإنقاذ، قالت وزارة الدفاع النمساوية إن الجيش التركي قد تدخل لتقديم الحماية مما سمح باستئناف عمليات الإنقاذ.
كما علق الفرع الألماني لمجموعة البحث والإنقاذ الدولية (ISAR) والوكالة الفيدرالية الألمانية للإغاثة الفنية (TSW) عملياتهما بسبب المخاوف الأمنية، وقال المتحدث باسم مجموعة البحث والإنقاذ الدولية، ستيفان هاين: “هناك المزيد والمزيد من التقارير عن اندلاع اشتباكات بين الفصائل المختلفة، كما أنه أُطلقت أعيرة نارية”.
وقال مدير العمليات في المجموعة ستيفن باير، إنه يتوقع أن تزداد الظروف الأمنية سوءاً مع ندرة الغذاء والماء والأمل، وأضاف “نحن نراقب الوضع الأمني عن كثب وهو يتطور”.
خيط أمل
ووفق وسائل إعلام تركية، تمكنت فرق الإنقاذ أمس السبت من انتشال نساء ورضّع أحياء بفعل ما أسمته “المعجزات”، وتمكنت فرق البحث والإنقاذ بمشاركة فرق أجنبية، من انتشال أحياء من بينهم أوزليم يلماز التي عثر عليها على قيد الحياة في منطقة أديامان، بعد 117 ساعة من الزلزال المدمّر.
وذكرت وسائل إعلام تركية أن رجال الإنقاذ الأذربيجانيين الذين يعملون مع الفرق المحلية واصلوا جهودهم في البحث والإنقاذ في كهرمان مرعش، وأنقذوا سيدة تدعى فاطمة بعد أن بقيت تحت الأنقاض نحو 120 ساعة.
كما عثر على طفل تحت الأنقاض بعد 107 ساعات من الكارثة في أنطاكيا، وجرى الوصول أيضاً إلى حليمة كوربوز البالغة من العمر 83 عاماً، بعدما كانت تحت الأنقاض في منطقة باتالغازي في ملاطية، لمدة 125 ساعة.
ونجحت قوات الإنقاذ في قهرمان مرعش بإنقاذ 3 فتيات، آخرهن كانت عائشة، التي حظيت عملية إنقاذها التي دامت 4 ساعات بمتابعة كثيفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
فرص النجاة
وفي سياق منفصل، قال خبراء لقناة “بي بي سي” إن عوامل مختلفة تؤثر على مدة بقاء الإنسان على قيد الحياة، ويشمل ذلك وضعية الإنسان عند حدوث الانهيار، ومدى توافر الهواء والماء، والظروف الجوية، ومستوى لياقته البدنية والذهنية.
وتحدث معظم عمليات الإنقاذ في غضون 24 ساعة من وقوع الكارثة، ولكن توجد حالات لإنقاذ البعض من تحت الأنقاض بعد وقت أطول بكثير، إذ بالعادة تقل فرص الأمل في العثور على ناجين تحت الركام بعد 3 أيام من أي كارثة.
وقال مراد هارون أونغورن، المنسق في جمعية البحث والإنقاذ التركية، وهي أكبر جمعية إغاثة غير حكومية في تركيا، إن “بعض الإجراءات يمكن أن تعزز الفرص في البقاء على قيد الحياة وتوفر منفذ هواء، وتشمل هذه الإجراءات اتخاذ ساتر تحت طاولة، على سبيل المثال، والحفاظ على ذلك حتى توقف الهزة الأرضية”.
وأكدت الدكتورة جيتري ريغمي، المسؤولة الفنية في برنامج الطوارئ الصحية العالمية التابع لمنظمة الصحة العالمية، على أهمية التأهب، قائلة: “الاختباء في مكان آمن مثل تحت مكتب أو طاولة متينة من شأنه أن يحسن فرص البقاء على قيد الحياة. لا يوجد شيء مؤكد لأن كل حالة طوارئ مختلفة، لكن جهود البحث والإنقاذ الأولية تعتمد على قدرات التأهب لدى المجتمعات المحلية”.

عوامل مساعدة
ووفقاً للخبراء، فإن الهواء والماء أمران أساسيان للبقاء على قيد الحياة عندما يحاصر الشخص تحت مبنى منهار، لكن هذا يعتمد على مستوى الإصابات، ففقدان الدم يقلل من احتمال البقاء حياً أكثر من 24 ساعة.
وقال البروفيسور ريتشارد إدوارد مون، خبير العناية المركزة من جامعة ديوك في الولايات المتحدة، إن “نقص الماء والأكسجين من القضايا الحاسمة للبقاء على قيد الحياة”، وتشير بعض التقديرات إلى أن الناس قد يعيشوا بدون ماء لمدة تتراوح بين 3 و7 أيام.
وأوضح أن ظروف الشتاء في تركيا تجعل الوضع أسوأ بكثير، مضيفاً “يستطيع البالغ العادي تحمل درجات حرارة تصل إلى 21 درجة مئوية دون أن يفقد الجسم قدرته على الاحتفاظ بالحرارة. ولكن عندما يكون الجو أكثر برودة، فإن الأمر مختلف”.
ولفت إلى أن “السرعة التي يحدث بها انخفاض حرارة الجسم ستعتمد على مدى عزلة الشخص، أو مقدار المأوى الذي يتمتع به. ولكن في نهاية المطاف، سيصاب العديد من الأشخاص الأقل حظاً بانخفاض حرارة الجسم في ظل هذه الظروف”. ولكن في الصيف على العكس من ذلك، إذا كانت المنطقة المغلقة شديدة الحرارة، فقد يفقد الشخص الماء بسرعة كبيرة مما قد يضعف فرصهم في البقاء على قيد الحياة.
ويقول الخبراء إنه من العوامل التي غالباً ما يتم التقليل من شأنها الثبات النفسي والتحكم العقلي، حيث أن الحفاظ على الإرادة النفسية والعقلية المركزة على البقاء قد يكون أمراً حاسماً للبقاء على قيد الحياة، وقال خبير الإنقاذ أونغورين: “الخوف هو رد فعلنا الطبيعي، لكن لا يجب أن نشعر بالذعر. نحن بحاجة إلى أن نكون أقوياء نفسياً حتى نتمكن من البقاء على قيد الحياة”.